فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} من العذاب حين يخاف أهل النار، {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} حين يحزن أهل النار.
ويقال: ولا هم يحزنون على ما فاتهم من أمر الدنيا.
ويقال: الخوف إنما يستعمل في المستأنف، والحزن في الماضي، كما قال الله تعالى: {لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ على مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتاكم والله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 23] ويقال: الخوف ثلاثة: خوف الأبد، وخوف العذاب على الانقطاع، وخوف الحشر والحساب.
فأما خوف الأبد فيكون أمنًا للمسلمين، وخوف العذاب على الانقطاع يكون أمنًا للتائبين، وخوف الحشر والحساب يكون أمنًا للمحسنين.
والمحسنون يكونون آمنين من ذلك. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)}.
أسلم وجهه أي أخلص لله قصده، وأفرد لله وجهه، وطهَّر عن الشوائب عقله.
{وَهُوَ مُحْسِنٌ} عالِمٌ بحقيقة ما يفعله وحقيقة ما يستعمله، وهو محسن في المآل كما أنه مسلم في الحال.
ويقال: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه» فتكون مستسلمًا بظاهرك، مشاهدًا بسرائرك، في الظاهر جهد وسجود وفي الباطن كشف ووجود.
ويقال: {أَسْلَمَ وَجْهَهُ} بالتزام الطاعات، {وَهُوَ مُحْسِنٌ} قائمٌ بآداب الخدمة بحسن آداب الحضور، فهؤلاء ليس عليهم خوف الهجر، ولا يلحقهم خفيُّ المكر، فلا الدنيا تشغلهم عن المشاهدة ولا الآخرة تشغلهم غدًا عن الرؤية. اهـ.

.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله تعالى: {بلى} الخ إثباتٌ من جهته تعالى لما نفَوْه مستلزمٌ لنفْي ما أثبتوه، وإذْ ليس الثابتُ به مجردَ دخولِ غيرِهم الجنةَ ولو معهم ليكون المنفيُّ مجردَ اختصاصِهم به مع بقاءِ أصلِ الدخولِ على حاله بل هو اختصاصُ غيرِهم بالدخول كما ستعرفه بإذن الله تعالى ظهرَ أن المنفيَّ أصلُ دخولِهم، ومن ضَرورته أن يكون هو الذي كُلِّفوا إقامةَ البُرهانِ عليه لا اختصاصُهم به ليتّحدَ موردُ الإثباتِ والنفي، وإنما عدَلَ عن إبطال صريحِ ما ادَّعَوْه وسَلك هذا المسلكَ إبانةً لغاية حِرمانِهم مما علّقوا به أطماعَهم وإظهارًا لكمال عجزِهم عن إثباتِ مُدَّعاهم لأن حِرمانَهم من الاختصاص بالدخول وعجزَهم عن إقامة البرهانِ عليه لا يقتضيان حرمانَهم من أصل الدخولِ وعجزَهم عن إثباته وأما نفسُ الدخولِ فحيث ثبت حِرمانُهم منه وعجزُهم عن إثباته فهم من الاختصاص به أبعدُ وعن إثباته أعجزُ، وإنما الفائزُ به من انتظمه قوله سبحانه: {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} أي أخلص نفسَه له تعالى لا يشرك به شيئًا، عبّر عنها بالوجه لأنه أشرفُ الأعضاءِ ومجمعُ المشاعرِ وموضعُ السجود، ومظهَرُ آثارِ الخضوعِ الذي هو من أخص خصائِص الإخلاص أو توجّهُه وقصدُه بحيث لا يلوي عزيمتَه إلى شيءٍ غيره {وَهُوَ مُحْسِنٌ} حال من ضمير أسلم أي والحالُ أنه مُحسنٌ في جميع أعمالِه التي من جملتها الإسلامُ المذكورُ، وحقيقةُ الإحسانِ الإتيانُ بالعمل على الوجه اللائق، وهو حُسنُه الوصفيُّ التابعُ لحسنه الذاتيِّ، وقد فسره صلى الله عليه وسلم بقوله: «أَنْ تَعْبُدَ الله كأنَّكَ تَرَاهُ فإنْ لم تَكُنْ تَرَاهُ فإِنَّهُ يَرَاكَ» {فَلَهُ أَجْرُهُ} الذي أُعد له على عمله، وهو عبارةٌ عن دخول الجنة أو عمل يدخُلُ هو فيه دخولًا أوليًا، وأيًا ما كان فتصويرُه بصورة الأجرِ للإيذان بقوة ارتباطِه بالعمل واستحالةِ نيلِه بدونه، وقوله تعالى: {عِندَ رَبّهِ} حالٌ من أجره، والعاملُ فيه معنى الاستقرارِ في الظرف، والعِنديةُ للتشريف، ووضعُ اسم الربِّ مضافًا إلى ضمير من أسلم موضعَ ضميرِ الجلالة لإظهار مزيدِ اللُطفِ به وتقريرِ مضمونِ الجملة، أي فله أجرُه عند مالكِه ومدبِّرِ أموره ومبلِّغِه إلى كماله، والجملةُ جوابُ مَنْ إن كانت شرطيةً وخبرُها إن كانت موصولة، والفاءُ لتضمنها معنى الشرط فيكون الردُّ بقوله تعالى: بلى وحده، ويجوز أن يكون مَنْ فاعلًا لفعل مقدرٍ، أي بلى يدخلها من أسلم، وقوله تعالى: {فَلَهُ أَجْرُهُ} معطوفٌ على ذلك المقدر، وأيًا ما كان فتعليقُ ثبوتِ الأجرِ بما ذكر من الإسلام والإحسانِ المختصَّيْن بأهل الإيمان قاضٍ بأن أولئك المدّعين من دخول الجنة بمعزل، ومن الاختصاص به بألف منزل: {وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} في الدارين من لُحوق مكروهٍ {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} من فواتِ مطلوبٍ أي لا يعتريهم ما يوجبُ ذلك، لا أنه يعتريهم لكنهم لا يخافون ولا يحزنون.
والجمع في الضمائر الثلاثة باعتبار معنى مَنْ كما أن الإفراد في الضمائر الأُوَلِ باعتبار اللفظ. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (112)}.
بعد أن بين لنا الله تبارك وتعالى كذب اليهود وطالبهم بالدليل على ما قالوه من أنه لن يدخل الجنة إلا اليهود والنصارى جاء بحقيقة القضية ليخبرنا جل جلاله من الذي سيدخل الجنة.. فقال: بلى.. وعندما تقرأ: بلى اعلم أنها حرف جواب ولابد أن يسبقها كلام ونفي.. فساعة يقول لك إنسان ليس لي عليك دين.. إذا قلت له نعم فقد صدقت أنه ليس عليه دين.. ولكن إذا قلت بلى فذلك يعني أن عليه دينا وأنه كاذب فيما قاله.. إذن بلى تأتي جوابا لتثبيت نفي ما تقدم.
هم قالوا {لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى}.. عندما يقول الله لهم بلى فمعنى ذلك أن هذا الكلام غير صحيح.. وأنه سيدخلها غير هؤلاء.. وليس معنى أنه سيدخلها غير اليهود والنصارى.. أن كل يهودي وكل نصراني سيدخل الجنة.. لأن الله سبحانه وتعالى قد حكم حينما جاء الإسلام بأن الذي لا يسلم لا يدخل الجنة.. واقرأ قوله جل جلاله: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)}.
لماذا لم يقل الله سبحانه وتعالى.. أنه لن يدخلها اليهود ولا النصارى.. لأن القرآن أزلي.. ما معنى أزلي؟.. أي أنه يعالج القضايا منذ بداية الخلق وحتى يوم القيامة.. فالقرآن كلام الله تبارك وتعالى.. فلو أنه قال لن يدخل الجنة إلا من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم لكان في هذا تجاوز.. لأن هناك من آمن بموسى وقت رسالته وعاصره واتبعه وحسن دينه ومات قبل أن يدرك محمدا عليه الصلاة والسلام.. فهل هذا لا يدخل الجنة ويجازى بحسن عمله.. وهناك من النصارى من آمن بعيسى وقت حياته.. وعاصره ونفذ تعاليمه ومنهجه ثم مات قبل أن يبعث محمد عليه الصلاة والسلام.. أهذا لن يدخل الجنة؟.. لا.. يدخل وتكون منزلته حسب عمله ويجازى بأحسن الجزاء.. ولكن بعد أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وجاء الإسلام ونزل القرآن، فكل من لم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم لن يدخل الجنة.. بل ولن يراها.. ولذلك جاء كلام الله دقيقا لم يظلم أحدا من خلقه.
إذن فقوله تعالى: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن}.. أي لا يدخل الجنة إلا من أسلم وجه لله وهو محسن.. فقد يسلم واحد وجهه لله ويكون منافقا يظهر بغير ما يبطن.. نقول إن المنافقين لم يكونوا محسنين ولكنهم كانوا مسيئين.. لأن لهم شخصيتين شخصية مؤمنة أمام الناس وشخصية كافرة في الحقيقة أو في قلوبهم.
قوله تعالى: {من أسلم وجهه لله} تدلنا على أن كل شيء أسلم لله لأن الوجه هو أشرف شيء في الإنسان.. فيه التمييز وفيه السمة وفي التشخص وهو أعلى ما في الجسم.. وحينما عرفوا الإنسان قالوا حيوان ناطق أي حيوان مفكر.. وقال بعضهم حيوان مستوي القامة يعني قامته مرفوعة.. والقامة المرفوعة على بقية الجسم هي الوجه.. والإنسان مرفوع على بقية أجناس الأرض.. إذن هو مرفوع على بقية الأجناس ووجهه مرفوع عليه.. فإذا أسلم وجهه لله يكون قد أسلم أشرف شيء فيه لله.. ولذلك قيل.. أقرب ما يكون العبد لربه وهو ساجد.. لماذا؟.. لأنه جاء بالوجه الذي رفعه الله به وكرمه.. وجعله مساويا لقدميه ليستوي أكمل شيء في بأدنى شيء.. فلم يبقى عنده شيء يختال به على الله.
الحق سبحانه وتعالى يقول: {فله أجره عند ربه}.. كلمة {أجره عند ربه}.. دلت على أن الله لم يجعلنا مقهورين.. ولكنه كلفنا وجعلنا مختارين أن نفعل أو لا نفعل.. فإن فعلنا فلنا أجر.. ولأن التكليف من الله سبحانه وتعالى فالمنطقي أن يكون الأجر عند الله.. وألا يوجد خوف أو حزن.. لأن الخوف يكون من شيء سيقع.. والحزن يأتي على شيء قد وقع.. ولا هذه ولا تلك تحدث عندما يكون أجرنا عند الله. إن الإنسان حين يكون له حق عند مساويه.. فربما يخاف أن ينكر المساوي هذا الحق أو يطمع فيه، أو يحتاج إليه فيدعي عدم أحقيته فيه، ولكن الله سبحانه وتعالى غني عن العالمين.. ولذلك فهو لا يطمع فيما في أيدنا من خير لأنه من عنده.. ولا يطمع فيما معنا من مال لأن عنده خزائن السماوات والأرض.
الله سبحانه لا ينكر حقا من حقوقنا لأنه يعطينا من فضله ويزيدنا.. ولذلك فإن ما عند الله لا خوف عليه بل هو يضاعف ويزداد.. وما عند الله لا حزن عليه.. لأن الإنسان يحزن إذا فاته خير.. ولكن ما عند الله باق لا يفوتك ولا يفوته.. فلا يوجد شيء عند الله سبحانه وتعالى تحزن عليه لأنه فات.. ولذلك كان قول الحق سبحانه وتعالى: {ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.. أدق ما يمكن أن يقال عن حالة المؤمنين في الآخرة.. أنهم يكونون فرحين بما عند الله لا خوف عندهم ولا حزن. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {وَهُوَ مُحْسِنٌ} جملة في محلّ نصب على حال والعامل فيها {أسلم} وهذه الحال حال مؤكدة لأن من {أسلم وجهه لله فهو محسن}.
وقال الزمخشري رحمه الله تعالى وهو مُحْسن له في عمله فتكون على رأيه مبيّنة؛ لأن من أسلم وجهه قسمان: محسن في عمله وغير محسن. انتهى.
قوله تعالى: {فله أجره} الفاء جواب الشرط إن قيل بأن {مَنْ} شرطية، أو زائدة في الخبر إن قيل بأنها موصولة، وقد تقدم تحقيق القولين عند قوله سبحانه وتعالى: {بلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً} [البقرة: 81] وهذه نظير تلك فليلتفت إليها.
وهنا وجه آخر زائد ذكره الزمخشري، وهو أن تكون {مَنْ} فعله بفعل محذوف أي: بلى يدخلها من أسلم، و{فَلَهُ أَجْرُهُ} كلام معطوف على يدخلها هذا نصه.
و{لَهُ أَجْرُهُ} مبتدأ وخبره، إما في محلّ جزم، أو رفع على حسب ما تقدّم من الخلاف في {مَنْ}.
وحمل على لفظ {مَنْ} فأفرد الضمير في قوله تعالى: {فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ} وعلى معناها، فجمع في قوله: {عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}، وهذا أحسن التركيبين، أعني البداءة بالحمل على اللفظ ثم الحمل على المعنى والحامل في {عند} ما تعلق به {له} من الاستقرار، ولما أحال أجره عليه أضاف الظرف إلى لفظة الرّب لما فيها من الإشعار بالإصلاح والتدبير، ولم يضفه إلى الضمير، ولا إلى الجلالة، فيقول: فله أجره عنده أو عند الله، لما ذكرت لك، وقد تقدم الكلام في قوله تعالى: {فَلاَ خَوْفٌ} [البقرة: 38] بما فيه من القراءات. اهـ.

.تفسير الآية رقم (113):

قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما أبطل دعوى اختصاصهم بالرحمة قدحًا منهم في غيرهم وأثبتها للمحسنين أتبع ذلك قدح كل فريق منهم في الآخر وبيان انتفائها عنهم بإساءتهم بإبطال كل فرقة منهم دعوى الأخرى مع ما يشهد به كتاب كل من بطلان قوله فقال: {وقالت اليهود ليست} أنث فعلهم لضعف قولهم وجمع أمرهم {النصارى على شيء} أي يعتد به لكونه صحيحًا، وليس مخففة من وزن فرح، ومعناها مطلق النفي لمتقدم إثبات أو مقدره- قاله الحرالي.
{وقالت النصارى} كذلك {ليست اليهود على شيء} فعجب منهم في هذه الدعوى العامة لما قبل التبديل والنسخ وما بعده بقوله: {وهم} أي والحال أنهم {يتلون الكتاب} أي مع أن في كتاب كل منهم حقية أصل دين الآخر.
ثم شبه بهم في نحو هذا القول الجهلة الذين ليس لهم كتاب الذين هم عندهم ضلال، وفي ذلك غاية العيب لهم لتسوية حالهم مع علمهم بحال الجهلة في القطع في الدين بالباطل كما سوى حالهم بهم في الحرص على الحياة في الدنيا ومنهم عبدة الأصنام الذين منهم العرب الذين أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم من بلده ومنعوه من مسجد أبيه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام الذي هو الحقيق به دونهم، وساق ذلك جواب سائل كأنه قال: هذا قول العلماء بالكتاب فما حال من لا علم له؟ فقال: {كذلك} أي مثل هذا القول البعيد عن القصد {قال الذين لا يعلمون} ولما كان صدور هذا من أهل العلم في غاية الغرابة وصدوره من الجهلة أغرب نبه تعالى على أن سامعه جدير بأن يقول لعده له عداد ما لا يصدق: كيف قال الجهلة؟ فقال أو يقال: ولما كان قولهم هذا لا يكاد يصدق من شدة غرابته كان كأنه قيل: أحق كان هذا منهم حقيقة أم كنى به عن شيء آخر؟ فأجيب بقوله: {كذلك} أي الأمر كما ذكرنا عنهم حقيقة لا كناية عن شيء غيره، فلما استقر في النفس كان كأنه قيل: هل وقع هذا لأحد غيرهم؟ فقيل: نعم، وقع أعجب منه وهو أنه قال الجهلة كعبدة الأصنام والمعطلة {مثل قولهم} فعاندوا وضللوا المؤمنين أهل العلم بالكتاب الخاتم الذي لا كتاب مثله وضللوا أهل كل دين.
ولما وقع الخلاف بين هذه الفرق تسبب عنه حكم الملك الذي لم يخلقهم سُدى بينهم فقال: {فالله} الملك الأعظم {يحكم بينهم} والحكم قصر المصرَف على بعض ما يتصرف فيه وعن بعض ما تشوّف إليه- قاله الحرالي.
وحقق أمر البعث بقوله: {يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} والآختلاف افتعال من الخلاف وهو تقابل بين رأيين فيما ينبغي انفراد الرأي فيه- قاله الحرالي. اهـ.